الســـائل:
ما المراد بمقام إبراهيم في قوله تعالى في سورة البقرة: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}؟ وهل يصح أن يكون معنى الصلاة هنا هو الدعاء؟
الفتــــوى [106]:
إعلم أنّ في المراد بالمقام أقوالاً، فعن ابن عباس وعطاء: أنه مواقف الحج كلُّها، لأن إبراهيم قام فيها، وعن مجاهد وإبراهيم النخعي: الحرمُ كلُّه، أي: الحرم الذي حول الكعبة، أو مكة كلها، وعن عامر الشعبي: الجمار، ومزدلفة، وعرفة، والمراد من اتّخاذها مصلّى: أن يتقرّب العبد إلى الله تعالى عندها، وبهذا يكون معنى -مصلّى- مدَّعى، أي موضع دعاء، والدعاء صلاة، وهذه الأقوال كلها محتملة، ولكن القول الذي لا إحتمال فيه إلاّ ما صدق عليه اللَّفظُ هو قول الجمهور الذي لا يكاد يعرف غيرَه كثيرٌ من الناس، وهو الموضع المعروف الذي كان يقوم عليه إبراهيم، وإنما كان ورود الإحتمال منتفيًا عنه، لأنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لما فرغ من الطواف عمد إلى المقام، وصلّى خلفه ركعتين وقرأ الآية، فإمّا أن يكون فعل النبي صلى الله عليه وسلم تعيينًا لمكانه المعروف على وجه التخصيص، وإمّا أن يكون معنى المقام أوسع من ذلك، ولكنه حين الإطلاق ينصرف إلى موضعه المعروف، كما يطلق المسجد الحرام على الحرم كله، ولكنه يطلق ويراد به مسجد الكعبة دون سائر الحرم، ويعضد هذا المعنى، وما نقل عن السلف في الأقوال السابقة قراءةُ نافع وابن عامر {واتخَذوا من مقام} بفتح الخاء، فإن الناس قبل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في موضع المقام المعهود لم يكونوا يخصونه بالصلاة، بدليل أنه لم يكن ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ بعد اقتراح عمر رضي الله عنه.
والله أخبر أن الناس إتخذوا منه مصلّى، ولا يكون ذلك إلاّ على المعنى العام للمقام، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم مبين لمعنى مصلّى أنه موضع صلاة، ومن العلماء مَن قال موضع دعاء.
وأمّا أمر النفس الذي حرّكه سؤالك: فهو اقتراحٌ منّي ودعوة إلى النظر في أمر المقام وتأخيره كما أخره عمر بن الخطّاب بقدر الضرورة التي يحتاج إليها، والخطب فيه أهون من توسعة الجمرات والمسعى، وقد حصل بتوسعتهما خيرٌ كثيرٌ، ولم يبق إلاّ أمر المقام الذي نأمل أن ينظر فيه أولو الشأن، فإن الحلول في تأخيره أو تأخير موضع صلاة ركعتين عنه، أو إزالة الظلة عنه وتسويته بالأرض، أو إلصاقه بالكعبة كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وتأخير موضع التنفلّ عنده، كل هذا وغيره صالح لنظر أهل العلم والأمر والرأي عملاً بما فيه الصالح لكل صالح، لاسيما أنه قد نقل الإجماع على جواز تأدية ركعتي الطواف في أي مكان في المسجد.
الكاتب: د.عبدالعزيز الحربي.
المصدر: صحيفة المدينة.